فصل: من فوائد ابن عاشور في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72)}.
الخائن خائف، ولخشية أن يظهر سرُّه يركن إلى التلبيس والتدليس، والإنكار والجحود ولا محالة ينكشف عوارُه، وتتضح أسرارُه، وتهتك عن شَيْنِ فعله أستارُه. قال الله تعالى: {وَاللهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ}. اهـ.

.من فوائد ابن عرفة في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا}.
قال ابن عرفة: لِمَ نسب القتل إلى الجميع والقاتل إنّما هو واحد؟
قال: وأجيب بأنه راعى في ذلك من رضي بفعله.
قال ابن عرفة: إنّما يتمّ لو كان ظاهرا بحيث علم به البعض ورضي بالقتل أما هذا فهو واحد منهم، وقد قتل واحد منهم غيلة فلم يعلم به أحد حتى يقال: إنّه رضي بقتله.
قال ابن عرفة: وإنما الجواب أنه جمعهم باعتبار الدعوى لأن المتهم بالقتل ينفيه عن نفسه ويدعيه على غيره وذلك الغير ينفيه أيضا عن نفسه ويدعيه عليه.
قال الزمخشري: خوطبوا مخاطبة الجماعة لوجود القتل فيهم.
قال: فإن قلت: لم يذكر القصة على ترتيبها؟ فهلا قدم ذكر القتيل والضرب ببعض البقرة على الأمر بذبحها؟ ثم قال: هلاّ قدم الأمر بالقتل ثم الذبح ثم الضرب؟
قال ابن عرفة: ظاهر كلامه هذا متناقض لأنه قال: الأولى بتقديم الضرب ثم رجع إلى أنّ الأولى تقديم الذّبح ولكن جوابه أنّ الأمر بالذبح متقدم على الذبح. انتهى.
قوله تعالى: {والله مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ}.
لم يقل: ما كنتم تجحدون، لأن الجاحد للشيء المنكر له قد يكون على الحق فيكون موافقا لظاهره بخلاف الكاتم فإن باطنه مخالف لظاهره فهو على الباطل بلا شك.
قال الفخر الرازي: يؤخذ من عمومه أنّ الله تعالى يظهر جميع الأشياء من الخير والشر.
قال ابن عرفة: يلزم عليه الخلف في الخبر لأن الله تعالى يستر على العبيد كثيرا من المعاصي.
قال الرازي: هو عام مخصوص لأن المراد ما كنتم تكتمون من أمر القتل، واحتج بها الفقهاء في قول القتيل: دمي عند فلان، إنّه لَوْثٌ يوجب القسامة.
قال ابن رشد في المقدمات في كتاب القسامة: قول الميّت: دمي عن فلان، لم يختلف قول الإمام مالك: إنه لوث في العمد يوجب القسامة والقَوَد عدلا أو مسخوطا.
وخالفه الجمهور، وحجة الإمام مالك رضي الله عنه هذه الآية، وأبطله ابن عبد البرّ بأن هذه الآية معجزة لنبي وآية له فلا يصح الاستدلال بها.
وأجاب ابن رشد: بأن الآية إنما كانت في الإحياء، وأما في قوله بعد أن حيى: فلان قتلني، فليس فيه آية.
وقد كان الله قادرا على أن يحيي غيره من الأموات فيقول: إن فلانا قتل فلانا.
قلت: ورده ابن عرفة بأن موسى عليه السلام أخبرهم أن الميت يحيا ويخبرهم بمن قتله فكان الأمر كذلك فكلا الأمرين آية.
وقد قال الأصوليون إذا قال النبي: دليل صدقي أن هذا الميّت يحيا فصار حيا.
وقال: هذا الرجل كاذب.
فقال القاضي أبو بكر الباقلاني: إنّ ذلك دليل على كذبه.
وقال الإمام لا يكون دليلا على كذبه.
قالوا: وأمّا إن قال: دليل صدقي أن هذا الميت يحيا ويقول لكم: إني صادق، فيحيا فيقول: إنه صادق، فلا خوف بينهم أنه دليل على صدقة.
فكذلك هذا هو معجزة بلا شك، فهو خاص بهذه القضية لا يصحّ القياس عليه.
وجعل الفقهاء وجود القتيل في محلة قوم لوثا يوجب القسامة.
وكانوا يحكون أن مسجد الشماسين بتونس كان دار لبعض الموحدين وبجواره قوم لهم ولد صغير يجلس على باب الدار بكسوة رفيعة ففقدوه، فبحثوا عليه فوجدوه ميتا بمطمور تلك الدار، فرأوا ذلك لوثا فعوقب الموحد وهدمت داره وبنيت مسجدا. اهـ.

.من فوائد أبي حيان في الآية:

قال رحمه الله:
{وإذ قتلتم نفسًا}: معطوف على قوله تعالى: {وإذ قال موسى لقومه} ويجوز أن يكون ترتيب وجودهما ونزولهما على حسب تلاوتهما، فيكون الله تعالى قد أمرهم بذبح البقرة، فذبحوها وهم لا يعلمون بما له تعالى فيها من السر، ثم وقع بعد ذلك أمر القتيل، فأظهر لهم ما كان أخفاه عنهم من الحكمة بقوله: اضربوه ببعضها، ولا شيء يضطرنا إلى اعتقاد تقدم قتل القتيل.
ثم سألوا عن تعيين قاتله، إذ كانوا قد اختلفوا في ذلك، فأمرهم الله تعالى بذبح بقرة، فيكون الأمر بالذبح متقدّمًا في النزول، والتلاوة متأخرًا في الوجود، ويكون قتل القتيل متأخرًا في النزول، والتلاوة متقدّمًا في الوجود، ولا إلى اعتقاد كون الأمر بالذبح وما بعده مؤخرًا في النزول، متقدّمًا في التلاوة، والإخبار عن قتلهم مقدّمًا في النزول، متأخرًا في التلاوة، دون تعرض لزمان وجود القصتين.
وإنما حمل من حمل على خلاف الظاهر، اعتبار ما رووا من القصص الذي لا يصح، إذ لم يرد به كتاب ولا سنة، ومتى أمكن حمل الشيء على ظاهره كان أولى، إذ العدول عن الظاهر إلى غير الظاهر، إنما يكون لمرجح، ولا مرجح، بل تظهر الحكمة البالغة في تكليفهم أولًا ذبح بقرة.
هل يمتثلون ذلك أم لا؟ وامتثال التكاليف التي لا يظهر فيها ببادئ الرأي حكمة أعظم من امتثال ما تظهر فيه حكمة، لأنها طواعية صرف، وعبودية محضة، واستسلام خالص، بخلاف ما تظهر له حكمة، فإن في العقل داعية إلى امتثاله، وحضًا على العمل به.
وقال صاحب المنتخب: إن وقوع ذلك القتيل لابد أن يكون متقدّمًا لأمره تعالى بالذبح، فأما الإخبار عن وقوع ذلك القتيل، وعن أنه لابد أن يضرب القتيل ببعض تلك البقرة، فلا يجب أن يكون متقدّمًا على الإخبار عن قصة البقرة.
فقول من يقول: هذه القصة يجب أن تكون متقدمة على الأولى خطأ، لأن هذه القصة في نفسها يجب أن تكون متقدّمة على الأولى في الوجود.
فأما التقديم في الذكر فغير واجب، لأنه تارة يقدّم ذكر السبب على ذكر الحكم، وأخرى على العكس من ذلك، فكأنه لما وقعت لهم تلك الواقعة أمرهم بذبح البقرة، فلما ذبحوها قال: {وإذ قتلتم نفسًا} من قبل واختلفتم فإني مظهر لكم القاتل الذي سترتموه، بأن يضرب القتيل ببعض هذه البقرة المذبوحة.
وتقدّمت قصة الأمر بذبح البقرة على ذكر القتيل، لأنه لو عكس، لما كانت قصة واحدة، ولذهب الغرض في تثنية التقريع.
انتهى كلامه، وهو مبني على أن القتل وقع أولًا، ثم أمروا بعد ذلك بذبح البقرة، وليس له دليل على ذلك إلا نقل شيء من القصص التي لم تثبت في كتاب ولا سنة.
وقد بينا حمل الآيتين على أن الأمر بالذبح يكون متقدّمًا وأن القتل تأخر، كحالهما في التلاوة.
وقال بعض الناس: التقديم والتأخير حسن، لأن ذلك موجود في القرآن، في الجمل، وفي الكلمات، وفي كلام العرب.
وأورد من ذلك جملًا، من ذلك: قصة نوح عليه السلام في إهلاك قومه، وقوله: {وقال اركبوا فيها} وفي حكم من مات عنها زوجها بالتربص بالأربعة الأشهر وعشر، وبمتاع إلى الحول، إذ الناسخ مقدّم، والمنسوخ متأخر.
وذكر من تقديم الكلمات في القرآن والشعر على زعمه كثيرًا، والتقديم والتأخير، ذكر أصحابنا أنه من الضرائر، فينبغي أن ينزه القرآن عنه.
ونسبة القتيل إلى جمع، إما لأن القاتلين جمع، وهم ورثة المقتول، وقد نقل أنهم اجتمعوا على قتله، أو لأن القاتل واحد، ونسب ذلك إليهم لوجود ذلك فيهم، على طريقة العرب في نسبة الأشياء إلى القبيلة، إذا وجد من بعضها ما يذم به أو يمدح.
{فادّارأتم فيها} قرأ الجمهور: بالإدغام وقرأ أبو حيوة؛ فتدارأتم، على وزن تفاعلتم، وهو الأصل، هكذا نقل بعض من جمع في التفسير.
وقال ابن عطية: قرأ أبو حيوة، وأبو السوار الغنوي: {وإذ قتلتم نفسًا فادّرأتم}، وقرأت فرقة: فتدارأتم على الأصل. انتهى كلامه.
ونقل من جمع في التفسير أن أبا السوار قرأ: فدرأتم، بغير ألف قبل الراء.
ويحتمل هذا التدارؤ، وهو التدافع، أن يكون حقيقة، وهو أن يدفع بعضهم بعضًا بالأيدي، لشدة الاختصام.
ويحتمل المجاز، بأن يكون بعضهم طرح قتله على بعض، فدفع المطروح عليه ذلك إلى الطارح، أو بأن دف بعضهم بعضًا بالتهمة والبراءة.
والضمير في: فيها عائد على النفس، وهو ظاهر، وقيل: على القتلة، فيعود على المصدر المفهوم من الفعل، وقيل: على التهمة، فيعود على ما دل عليه معنى الكلام.
{والله مخرج ما كنتم تكتمون}، ما: منصوب باسم الفاعل، وهو موصول معهود، فلذلك أتى باسم الفاعل لأنه يدل على الثبوت، ولم يأت بالفعل الذي هو دال على التجدد والتكرار، ولا تكرار، إذ لا تجدد فيه، لأنها قصة واحدة معروفة، فلذلك، والله أعلم، لم يأت الفعل.
وجاء اسم الفاعل معملًا، ولم يضف، وإن كان من حيث المعنى ماضيًا، لأنه حكى ما كان مستقبلًا وقت التدارؤ، وذلك مثل ما حكى الحال في قوله تعالى: {وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد} ودخلت كان هنا ليدل على تقدم الكتمان، والعائد على ما محذوف تقديره: ما كنتم تكتمونه.
والظاهر أن المعنى ما كنتم تكتمون من أمر القتيل وقاتله، وعلى هذا ذهب الجمهور.
وقيل: يجوز أن يكون عامًا في القتيل وغيره، فيكون القتيل من جملة أفراده، وفي ذلك نظر، إذ ليس كل ما كتموه عن الناس أظهره الله تعالى. اهـ.

.من فوائد ابن عاشور في الآية:

قال رحمه الله:
{وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72)}.
تصديره بإذ على طريقة حكاية ما سبق من تعداد النعم والألطاف ومقابلتهم إياها بالكفران والاستخفاف يومئ إلى أن هذه قصة غير قصة الذبح ولكنها حدثت عقب الأمر بالذبح لإظهار شيء من حكمة ذلك الأمر الذي أظهروا استنكاره عند سماعه إذ قالوا {أتتخذنا هزؤًا} [البقرة: 67] وفي ذلك إظهار معجزة لموسى.
وقد قيل إن ما حكى في هذه الآية هو أول القصة وإن ما تقدم هو آخرها، وذكروا للتقديم نكتة تقدم القول في بيانها وتوهينها.
وليس فيما رأيت من كتب اليهودما يشير إلى هذه القصة فلعلها مما أدمج في قصة البقرة المتقدمة لم تتعرض السورة لذكرها لأنها كانت معجزة لموسى عليه السلام ولم تكن تشريعًا بعده.
وأشار قوله: {قتلتم} إلى وقوع قتل فيهم وهي طريقة القرآن في إسناد أفعال البعض إلى الجميع جريًا على طريقة العرب في قولهم: قتلت بنو فلان فلانًا، قال النابغة يذكر بني حُنّ:
وهم قتلوا الطائي بالجو عنوة ** أباجابر واستنكحوا أم جابر

وذلك أن نفرًا من اليهود قتلوا ابن عمهم الوحيد ليرثوا عمهم وطرحوه في محلة قوم وجاءوا موسى يطالبون بدم ابن عمهم بهتانًا وأنكر المتهمون فأمره الله بأن يضرب القتيل ببعض تلك البقرة فينطق ويخبر بقاتله، والنفس الواحد من الناس لأنه صاحب نفس أي روح وتنفس وهي مأخوذة من التنفس وفي الحديث: «ما من نفس منفوسة» ولإشعارها بمعنى التنفس اختلف في جواز إطلاق النفس على الله وإضافتها إلى الله فقيل يجوز لقوله تعالى حكاية عن كلام عيسى: {تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك} [المائدة: 116] ولقوله في الحديث القدسي: «وإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي» وقيل: لا يجوز إلا للمشاكلة كما في الآية والحديث القدسي والظاهر الجواز ولا عبرة بأصل مأخذ الكلمة من التنفس فالنفس الذات قال تعالى: {يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها} [النحل: 111].
وتطلق النفس على روح الإنسان وإدراكه ومنه قوله تعالى: {تعلم ما في نفسي} وقول العرب قلت في نفسي أي في تفكري دون قول لفظي، ومنه إطلاق العلماء الكلام النفسي على المعاني التي في عقل المتكلم التي يعبر عنها باللفظ.
و{ادَّارأْتم} افتعال، وادارأتم أصله تدارأتم تفاعل من الدرء وهو الدفع لأن كل فريق يدفع الجناية عن نفسه فلما أريد إدغام التاء في الدال على قاعدة تاء الافتعال مع الدال والذال جلبت همزة الوصل لتيسير التسكين للإدغام.
وقوله: {والله مخرج} جملة حالية من {ادارأتم} أي تدارأتم في حال أن الله سيخرج ما كتمتموه فاسم الفاعل فيه للمستقبل باعتبار عامله وهو {ادارأتم}.
والخطاب هنا على نحو الخطاب في الآيات السابقة المبني على تنزيل المخاطبين منزلة أسلافهم لحمل تبعتهم عليهم بناءً على ما تقرر من أن خُلُقَ السلف يسري إلى الخلف كما بيناه فيما مضى وسنبينه إن شاء الله تعالى عند قوله: {أفتطمعون أن يؤمنوا لكم} [البقرة: 75].
وإنما تعلقت إرادة الله تعالى بكشف حال قاتلي هذا القتيل مع أن دمه ليس بأول دم طل في الأمم إكرامًا لموسى عليه السلام أن يضيع دم في قومه وهو بين أظهرهم وبمرأى منه ومسمع لاسيما وقد قصد القاتلون استغفال موسى ودبروا المكيدة في إظهارهم المطالبة بدمه فلو لم يظهر الله تعالى هذا الدم في أمة لضعف يقينها برسولها ولكان ذلك مما يزيدهم شكًا في صدقه فينقلبوا كافرين فكان إظهار هذا الدم كرامة لموسى ورحمة بالأمة لئلا تضل فلا يشكل عليكم أنه قد ضاع دم في زمن نبينا صلى الله عليه وسلم كما في حديث حويصة ومحيصة الآتي لظهور الفرق بين الحالين بانتفاء تدبير المكيدة وانتفاء شك الأمة في رسولها وهي خير أمة أخرجت للناس. اهـ.